عاشت النجمة العالمية كيت بلانشيت، الحائزة على جائزة الأوسكار، 48 ساعة استثنائية ومكثفة في مدينة الجونة الساحلية الخلابة، وذلك على هامش الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي. لم تكن هذه الزيارة لـ كيت بلانشيت مجرد احتفاء بمسيرتها الفنية اللامعة، بل تجسيدًا حيًا لروح المهرجان تحت شعار “سينما من أجل الإنسانية”، حيث التقى الفن الراقي بالعمل الإنساني المؤثر في قلب أحد أرقى التجمعات الثقافية في المنطقة.
الافتتاح السينمائي وحفل النخبة
بدأت أجندة كيت بلانشيت المزدحمة بحضورها البهيج على السجادة الحمراء للعرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لفيلم المخرج الكبير جيم جارموش، الحائز على جائزة الأسد الذهبي، وهو الفيلم المنتظر “الأب الأم الأخت الأخ” Father Mother Sister Brother.
وتألقت بلانشيت كإحدى نجمات هذا العمل الذي يضم كوكبة من الأسماء اللامعة مثل آدم درايفر وفيكي كريبس، مقدمةً لمحة عن التزامها المستمر بالأعمال السينمائية ذات القيمة الفنية العالية.
عقب العرض، احتضنت منطقة “نورث باي” الهادئة في الجونة تجمعًا خاصًا جمع بين كبار قادة الفن والعمل الإنساني. هذا اللقاء الرفيع المستوى ضم شخصيات محورية مثل المهندس نجيب ساويرس، مؤسس مهرجان الجونة ورئيس مجلس إدارة أوراسكوم للاستثمار القابضة، والمهندس سميح ساويرس، مؤسس مدينة الجونة ورئيس مجلس إدارة المهرجان، إلى جانب عمرو منسي، المدير التنفيذي والشريك المؤسس، والمديرة الفنية للمهرجان ماريان خوري، ومحمد عامر، الرئيس التنفيذي لمدينة الجونة. كما حضرته النجمة يسرا، عضو المجلس الاستشاري الدولي للمهرجان، وليلى حسني، مديرة مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، مما عزز مكانة المهرجان كملتقى يجمع بين الإبداع والقضايا العالمية.

جائزة بطلة الإنسانية
اللحظة الأبرز في زيارة بلانشيت كانت تكريمها بجائزة “بطلة الإنسانية”، خلال فعالية “أنسجة الأمل Weaves of Hope، وهي ليلة مخصصة للاحتفاء بصمود اللاجئين. هذا التكريم جاء اعترافًا بدورها كسفيرة للنوايا الحسنة العالمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR) وجهودها الإنسانية المتواصلة حول العالم.
قدم الجائزة المهندس سميح ساويرس، فيما استضاف الحفل الممثل المصري الشاب أحمد مالك إلى جانب يسرا مارديني، البطلة الأولمبية وسفيرة النوايا الحسنة للمفوضية.
وفي كلمتها المؤثرة، ألقت كيت بلانشيت الضوء على الصورة النمطية للاجئين وقالت: “غالبًا ما يُعرَّف اللاجئون بما فقدوه، وليس بمن هم عليه. لكن أينما سافرت مع المفوضية، التقيت بأفراد استثنائيين. إنهم يسعون إلى الفرص، إلى المساهمة، إلى إعادة البناء، إلى الانتماء.” ووجهت رسالة قوية للمجتمع العالمي: “هذه الجائزة تذكير بمدى ما يجب علينا فعله بعد. لندعم جميعًا العمل الإنساني بكل طريقة ممكنة. هذا ليس وقت اللامبالاة.”
من جانبه، أكد المهندس سميح ساويرس أن بلانشيت “تمثل مثالًا رائعًا على كيفية استخدام الشهرة والتأثير العالمي لدفع التغيير الإيجابي وإلهام العمل الإنساني حول العالم.” فيما شدد المهندس نجيب ساويرس على أن “الإنسانية لطالما كانت في صميم وجدان مهرجان الجونة، ووجود كيت بلانشيت هنا يجسد ذلك بوضوح. أنا فخور بما يحققه المهرجان ومؤسسة ساويرس والمفوضية معًا، فهو دليل على أنه عندما يلتقي الفن والعمل الخيري والدعوة الإنسانية، يمكن أن يتحقق أثر حقيقي.”
كما أبرز محمد عامر، الرئيس التنفيذي لمدينة الجونة، دور المدينة كأرض خصبة للتعايش: “الجونة دائمًا أكثر من مجرد وجهة -إنها مثال حي على التعايش والدمج، وموطن لأكثر من 50 جنسية توحدها روح الانفتاح والثقافة والهدف. لحظات كهذه تؤكد مجددًا على دور الجونة كمكان يجتمع فيه الفن والإنسانية والأمل لإلهامنا جميعًا.”

شراكة استراتيجية والتزام بالتعليم
لم تقتصر زيارة كيت بلانشيت على التكريم والاحتفالات، بل تضمنت خطوات عملية لترسيخ العمل الإنساني المستقبلي. حيث شهدت حضورها توقيع مذكرة تفاهم (MoU) بين مهرجان الجونة السينمائي ومؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، الشريك الداعم للأثر، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. هذه المذكرة الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك لرفع الوعي والدفاع عن حقوق اللاجئين من خلال منصات المهرجان المتنوعة، مؤكدةً تحول الجونة إلى منصة بناء شراكات طويلة الأمد تحقق تأثيرًا واقعيًا ومستدامًا.
ولتقديم نموذج عملي للدعم، قامت بلانشيت بزيارة إلى المدرسة الفندقية الألمانية بالجونة، وهي المؤسسة التعليمية الوحيدة في مصر التي تعمل بنظام التعليم المزدوج الألماني وتدار من قبل مؤسسة ساويرس. التقت بلانشيت هناك بمجموعة من الطلاب اللاجئين من جنسيات متعددة كالسودان وسوريا والصومال وإريتريا واليمن، مما سلط الضوء على التزام المؤسسة بالتعليم الشامل والتمكين المهني كركيزة أساسية لبناء مستقبلهم.
في هذا السياق، أكدت ليلى حسني، مديرة مؤسسة ساويرس، أن “دعم قضية اللاجئين يتماشى بعمق مع رسالة المؤسسة. التنمية الحقيقية تبدأ عندما يتمكن كل فرد من إعادة بناء حياته بالمعنى والأمل.”
ومن جانب المفوضية، أشارت الدكتورة حنان حمدان، ممثلة المفوضية السامية لشئون اللاجئين، إلى أهمية صوت بلانشيت في ظل الأزمات الحالية: “في وقت يتراجع فيه اهتمام العالم بالسودان، أصبح صوت كيت بلانشيت لا غنى عنه. تأتي زيارتها إلى مصر في ظل تفاقم الصراع في السودان الذي أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم -حيث أصبحت مصر الآن الدولة المضيفة الأولى لأكثر من 1.5 مليون لاجئ سوداني. هذا يذكرنا بأهمية شراكاتنا مع مهرجان الجونة ومؤسسة ساويرس، والتي تشترك جميعها في هدف دعم صمود اللاجئين ودمجهم وتعزيز التماسك الاجتماعي في المجتمع المصري.”
اقرأ أيضا
حوار السينما والإنسانية وتمكين اللاجئات
استكملت النجمة العالمية التزامها بحضور جلسة حوارية حظيت بحضور استثنائي وأدارتها الإعلامية وسفيرة النوايا الحسنة للمفوضية رايا أبي راشد. تحدثت بلانشيت خلال الجلسة عن مسيرتها الفنية ومقارنتها بالتزامها الإنساني، مستعرضةً تجاربها المؤثرة مع اللاجئين في مناطق مختلفة كالأردن ولبنان وبنغلاديش وجنوب السودان وأوغندا. وشددت على قوة السينما في أن تكون أداة فعالة لتسليط الضوء على الأزمات الإنسانية وتحديات الهوية والنزوح والسلطة، مشيرةً إلى ارتباط ذلك بأفلامها الأخيرة مثل Tár و The New Boy و Rumours.
وفي خطوة لتمكين النساء اللاجئات، زارت بلانشيت جناح مؤسسة ساويرس في The Hub، حيث التقت بمجموعة من النساء اللاجئات الحرفيات اللاتي طوّرن منتجاتهن اليدوية بدعم من المؤسسة. هذه الزيارة أكدت على أهمية تمكين المجتمعات اللاجئة من خلال مبادرات مستدامة مدرّة للدخل، وعكست التزام الجونة بأن تكون مجتمعًا شاملًا يحتفي بالناس من جميع الخلفيات.
باختصار، كانت زيارة كيت بلانشيت إلى مهرجان الجونة السينمائي 2025 بمثابة نقطة تحول، إذ لم تكن مجرد حدث احتفالي، بل فصل جديد في مسيرة المهرجان، أثبتت فيه النجمة العالمية مجددًا أن قوة الفن يمكن أن تتجاوز الشاشة لتصبح قوة دافعة للتغيير الاجتماعي وإلهام التضامن العالمي الحقيقي.






