Saturday , 20 May 2024

سمير غانم النجم الذي شعر بالغربة في أدوار التراجيديا

النجم الراحل سمير غانم
النجم الراحل سمير غانم
Facebook
Twitter
WhatsApp

سمير غانم .. في ذاكرة الفن المصري، لا يمكن المرور على الكوميديا دون التوقف طويلًا أمام تجربة سمير غانم، الذي ظل لعقود رمزًا للضحك الطازج، وصاحب بصمة متفردة لا تشبه أحدًا، لكن خلف هذا البهجة كان هناك فنان واسع الموهبة، لم يُمنح الفرصة الكاملة في أدوار التراجيديا، وظل حبيسًا بإرادته لصورة الكوميديان حتى النهاية,

 

في بدايته، لفت الأنظار كأحد أعضاء فرقة ثلاثي أضواء المسرح مع الضيف أحمد وجورج سيدهم، حيث قدموا عروضًا مسرحية وسكتشات غنائية ساخرة أحدثت نقلة نوعية في شكل الكوميديا في مصر بفترة الستينيات. كانت الفرقة تمزج بين الغناء والتمثيل بخفة ظل وبراعة، وسرعان ما أصبحت من العلامات المميزة في تاريخ المسرح المصري. وبعد رحيل الضيف أحمد في ريعان الشباب، اختار كل من سمير وجورج أن يسلك طريقًا فنيًا خاصًا، لكن بقيت روح الثلاثي حاضرة في كل عمل لاحق لهما.

 

اقرأ أيضا على بلاتوه 9

 

نقد أفلام ومسرحيات سمير غانم

 

تميّز سمير غانم بخفة ظل فطرية وقدرة خارقة على الارتجال، وابتكر شخصيات لاقت رواجًا واسعًا مثل “فطوطة” و”سمورة”، وتمكّن من خلق عوالم خاصة به حتى دون الاعتماد على قصة متماسكة، وهو ما جعل النقاد والجمهور يتقبلون أعماله بصدر رحب رغم خروجها أحيانًا عن القوالب التقليدية. كان قادرًا على أن يخلق حالة من البهجة بمجرد ظهوره، حتى وإن كانت المادة المقدمة بسيطة.

 

ثلاثي اضواء المسرح
ثلاثي اضواء المسرح

أفلام سمير غانم

 

في أعماله السينمائية، قدّم مئات الأفلام، تنوعت بين الكوميديا الخفيفة والفانتازيا الساخرة، وشارك كبار النجوم والمخرجين، لكنه نادرًا ما مُنح مساحة ليخرج من عباءة الضحك. هذا الحصر لم يكن راجعًا فقط لاختياراته، بل لطبيعة السوق الفنية التي كثيرًا ما تُصنّف الفنانين وتُقيدهم بأدوار معينة يصعب عليهم كسرها.

 

ما لا يعرفه كثيرون، أن سمير غانم كان لا يتمنى أداء أدوار درامية أكثر جدية، وقد صرّح في عدة حوارات بأنه لم ندم على أداء أدوار تراجيديا، رغم استعداده الكامل لها واجادته فيها، فهو كان يعرف نفسه بأنه “صانع الضحك”.

 

ظهرت هذه المحاولات نحو الأدوار الجادة والتوق إلى التغيير ربما، في أعمال قليلة جدًا مثل مشهده القصير والمؤثر في فيلم “الرجل الذي عطس”، حين جسد دور الطبيب الذي يحمل وجعًا داخليًا خلف ابتسامته، أو بعض ملامح الحزن العميقة في مسرحية “أهلا يا دكتور”، حين تقاطع الهزل مع لمحات من الألم الإنساني.

 

سمير غانم وشخصية فطوطة
سمير غانم وشخصية فطوطة

سر شخصية فطوطة

 

وربما كانت شخصية “فطوطة”، رغم بساطتها، تعبيرًا ضمنيًا عن ما بداخل شخصية سمير غانم الذي يهدف إلى إسعاد الناس، ذلك الكائن الخيالي الطفولي بإمكانيات بسيطة وقتها في الثمانينيات نجخ في أن يفرض المرح ويضحك الناس، ويسخر من تناقضات المجتمع أحيانا ويلتقط لحظاته العفوية ليحولها إلى كوميديا راقية.

 

ولعل هذا ما جعله يشعر بشيء من الغربة حين تُعرض عليه أدوار جادة، كما لو أن المخرجين والمنتجين لا يصدقونه إلا حين يضحك. وهكذا بقيت التراجيديا منطقة بعيدة عن مسيرته، رغم أنه كان يمتلك كل أدواتها، من القدرة على التعبير الصامت إلى نقل المشاعر المعقدة.

 

حياة سمير غانم

 

بعيدًا عن الكاميرا، كان سمير غانم إنسانًا بسيطًا، محبًا للحياة، قليل الظهور الإعلامي، لكنه كلما ظهر، حمل معه مزيجًا من الدفء والظرف، وكان في حياته الخاصة لا يختلف كثيرًا عن ذلك الفنان الذي تعوّد الجمهور عليه. هذه العفوية ربما كانت من أسرار تعلق الجمهور به عبر الأجيال.

 

وعلى خشبة المسرح، كان يحكم قبضته على اللحظة، يسيطر على الجمهور بإيماءة أو وقفة أو حتى نظرة. وقد استطاع أن يعيد تعريف الكوميديا في مصر، بأن يجعلها أكثر قربًا من الناس، ومبنية على تفاصيل الحياة اليومية كما في المتزوجون وأهلا يا دكتور وغيرها.

 

الفنان سمير غانم
الفنان سمير غانم

وفاة سمير غانم

 

برحيله، خسر الفن العربي أحد أذكى من تعاملوا مع الكوميديا بذكاء ورقي، فنان لم يكن يكتفي بإضحاك الناس بل يبتكر طرائق جديدة لذلك، ليصبح اسمه رغم الغياب حاضرًا كأيقونة للضحك النظيف، وصوتًا من زمن الفن الجميل، ورمزًا لفنان عاش ومات وهو يمنح الناس الفرح، حتى وإن كان في أعماقه يحمل شيئًا من الحزن.