انه عادل إمام، في تاريخ الفن العربي، قلما تجد فنانًا تجاوز حدود النجاح الشخصي ليمنح من حوله التألق والبقاء، وعادل إمام هو أبرز من جسّد هذه الحالة. نجم استثنائي، لا يكفي أن نصفه بالأسطورة أو الزعيم، لأنه ببساطة ظاهرة فنية وإنسانية لن تتكرر، نبع من طاقة استثنائية جمع فيها بين الموهبة والحضور والذكاء، ووهبها لمن حوله بسخاء.
ولد في 17 مايو عام 1940 في المنصورة، وانتقل مع أسرته إلى حي السيدة زينب بالقاهرة، حيث تشكّلت ملامح شخصيته وسط بيئة شعبية أعطته وعيًا اجتماعيًا عميقًا. لم يكن دخوله عالم التمثيل مدفوعًا بحظ أو مصادفة، بل بإيمان مبكر وثقة صلبة عبّر عنها بصوته حين سجل لنفسه على شريط كاسيت وهو طالب في كلية الزراعة قائلًا: “هابقى أهم نجم في مصر”.
وكان له ما أراد، لكن ما لم يكن متوقعًا هو أن يتحول هذا الشاب الحالم إلى ماكينة لصناعة النجوم من حوله، إذ كان حضوره الفني كفيلًا بدفع زملائه إلى قمة التألق، ليس فقط لأنه نجم شباك، بل لأنه يعرف متى وكيف يتقاسم الضوء دون أن يخفت بريقه.

عادل إمام وسعيد صالح
سعيد صالح، الصديق الأقرب، كان أحد هؤلاء الذين شكّل معهم عادل إمام ثنائية مسرحية وسينمائية محبوبة، من “مدرسة المشاغبين” إلى “سلام يا صاحبي”، قدم الاثنان أعمالًا أيقونية بقيت في وجدان الجمهور، وكان لروح الرفقة والانسجام بينهما الفضل في نجاحات لا تُنسى.
كما قدّم مع يسرا مجموعة من أنجح أفلام السينما المصرية، امتد التعاون بينهما لأكثر من عشرين عملًا، في علاقة وصفتها يسرا بأنها أكثر من شراكة، بل دعم إنساني وفني خالص. تقول عنه: “عادل إمام مش بس نجم، ده إنسان بيعرف يحب ويحتوي ويشجع، علمني أكون فنانة أقرب للناس”.

الأمر نفسه تكرّر مع لبلبة، التي شكّلت معه ثنائيًا كوميديًا محببًا لقلوب المشاهدين. علاقة مليئة بالتفاهم والثقة، تصفها لبلبة بأنها “رحلة عمر” علّمتها المعنى الحقيقي للرفقة الفنية والجدعنة.
أما أحمد راتب، فكان الوجه المألوف في أغلب أفلام الزعيم، بطلًا مساعدًا يترك دومًا بصمة، تمامًا كما كان مصطفى متولي، صديق العمر، الذي أطل في الكثير من الأعمال بجانبه، ما جعل وجودهما جزءًا من نكهة أفلام عادل إمام المعتادة.

لكن عبقرية عادل إمام لا تتجلى فقط في اختياراته لزملائه، بل في وعيه بضرورة صناعة محتوى يجمع بين البساطة والرسالة. من “الإرهاب والكباب” و”اللعب مع الكبار” إلى “طيور الظلام” و”عمارة يعقوبيان”، حافظ على خيط رفيع بين الضحك والتأمل، ليصبح فنه مرآة للناس، وسلاحًا ضد التسلط والجهل.
في المسرح، كما في السينما والتلفزيون، عُرف بانضباطه الشديد. لا يؤمن بالارتجال في مهنته، بل يرى الفن التزامًا كاملًا، وهي الصفة التي أكّدها كثيرون ممن عملوا معه، واعتبروها سببًا في نجاح أي مشروع ينتمي إليه.
حتى حين عاد إلى الدراما التلفزيونية في سنواته الأخيرة، احتفظ بجماهيريته، وقدم أعمالًا مثل “صاحب السعادة” و”العراف”، أثبتت أن البريق لا يخفت مع الزمن، وأن الجمهور ما زال يراه كما رآه أول مرة: نجمًا يشعرهم أنهم يعرفونه شخصيًا، قريبًا منهم رغم كل النجومية.

أحفاد عادل إمام
ومنذ ابتعاده عن الساحة في 2020، لم تغب ملامحه عن الشاشات، ولا صوته عن الذاكرة، ولا ضحكته عن القلوب. يقضي أيامه مع أسرته وأحفاده التي يعتبرها كنزه الأكبر، بعد أن منحنا نحن كنزًا من الفن والذكريات لا يُقدر بثمن.
عادل إمام لم يكن فنانًا فقط، بل صانع أجيال ومهندس علاقات فنية أثمرت عن أعمال خالدة، فكان النجم الذي أضاء الطريق لنفسه ولغيره، وسيبقى، مهما طال الغياب، حاضرًا في وعي الناس كقيمة لا تتكرر.