Saturday , 20 May 2024

أنطوني كوين.. ملامح منحوتة من حجر الثورة ومجد بين هوليوود وروما

أنطوني كوين
أنطوني كوين
Facebook
Twitter
WhatsApp

“لقد ولدت تحت وابل من الرصاص، ولم أتوقف عن القتال منذ ذلك الحين”، هكذا لخص أنطوني كوين حياته، إذ ولد في قلب الثورة المكسيكية عام 1915، وخاض مسيرة استثنائية في التمثيل والفن والتحدي، ورحل عن عالمنا يوم 3 يونيو 2001.

 

قصة أنطوني كوين هي حكاية فنان لم يكن مجرد ممثل بارع، بل أسطورة متعددة الوجوه، فتى فقير، ملاكم رقيق القلب، نحات يبحث عن الجمال في الحجارة، وأخيرًا ممثل عالمي لم يسمح للقيود العرقية أو النمطية أن تضع له حدودًا.

 

طفولة قاسية ل أنطوني كوين

 

ولد أنطوني كوين باسم أنطونيو رودولفو كوين أوكساكا في مدينة شيواوا المكسيكية، لوالد أيرلندي-مكسيكي وأم من جذور هندية مكسيكية، وكان والداه من أنصار الثائر بانشو فيا، أحد أبرز قادة الثورة المكسيكية. واضطرت والدته إلى الهروب من الحرب، حيث انتقل كوين إلى الولايات المتحدة في عمر 8 أشهر، في رحلة محفوفة بالمخاطر على متن قطار يسير بالفحم. حتى استقرت عائلته في أحد أحياء شرق لوس أنجلوس، وعاش طفولة قاسية وسط الفقر والمآسي، أبرزها وفاة والده إثر حادث سير عندما كان أنطوني في الـ11 من عمره.

 

الطفل الذي اضطر للعمل في مهن شاقة لدعم أسرته، لم يكن يتوقع أن يتحول شغفه بالفن والرسم إلى مدخل لعالم جديدـ وبعمر الـ9 تلقى شيكا بقيمة 25 دولارًا من النجم دوجلاس فيربانكس مقابل لوحة رسمها. وعقب أن ربح لاحقا في مسابقة معمارية، نال فرصة للدراسة مع المعماري الأشهر فرانك لويد رايت، الذي أصبح معلمه وملهمه الأول، بل وأول من دفعه نحو التمثيل حين اقترح عليه تحسين نطقه عن طريق الالتحاق بدروس الأداء المسرحي، حسبما ذكر موقع imdb.

 

انطلاقة مهنية رغم القيود

 

في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ كوين التمثيل في هوليوود في أدوار صامتة أو محدودة، وغالبًا ما حصرته شركات الإنتاج في أدوار “الإثني الآخر” بمعنى تجسيد أدوار شخصيات هندية، عربية، مكسيكية، أو يونانية. ومع ذلك، كان يمتلك قدرة نادرة على جعل هذه الأدوار تنبض بالصدق، حتى في أصغر المشاهد.

 

التحول الكبير في مسيرته جاء حين لعب دور ستانلي كوالسكي في مسرحية عربة اسمها الرغبة في شيكاغو، بعد أن خلف مارلون براندو على الخشبة. هذه التجربة المسرحية أثبتت قوته كممثل درامي، وفتحت له باب العودة إلى السينما من موقع مختلف.

 

فنان الجوائز والتجديد الدائم

 

عام 1952، كتب اسمه بحروف من ذهب كأول ممثل مكسيكي يفوز بالأوسكار، وذلك عن دوره في فيلم Viva Zapata للمخرج إيليا كازان. لم يكن هذا التتويج عابرًا، فقد تبعه أوسكار ثانٍ عام 1957 عن Lust for Life بدور الرسام بول غوغان، وتوالت بعدها الترشيحات عن أدواره المتنوعة.

 

لكن أكثر أدواره شهرة وتعلقًا في أذهان الجمهور كان دوره في Zorba the Greek عام 1964، حيث جسد شخصية رجل يوناني يعيش الحياة بكل جنونها وعذوبتها. هذا الدور لم يمنحه فقط ترشيحه الرابع للأوسكار، بل جعله رمزًا عالميًا للحياة الحرة.

أنطوني كوين في شخصية عمر المختار
أنطوني كوين في شخصية عمر المختار

عمر المختار

 

أما في الوطن العربي فإن أكثر أدواره شهرة تجسيده لشخصية عمر المختار في الفيلم الذي يحكي عن المناضل الليبي الشهير ويحمل اسم Lion of the Desert وتم توزيع عربيا تحت اسم “عمر المختار.

وفي أوروبا، خاصة إيطاليا، وجد كوين مساحته الحقيقية. هناك، تعاون مع عمالقة مثل فيدريكو فيليني في La Strada وظهر في أفلام ضخمة مثل Barabbas وThe Guns of Navarone، مؤكدًا قدرته على التنقل بين الشخصيات بسلاسة لا يملكها إلا القليلون.

 

الفلسفة وراء الأداء

 

كان كوين يرى التمثيل كوسيلة لفهم الإنسان، وليس مجرد مهنة. لم يخجل من التعبير عن خيبة أمله في هوليوود التي كانت تضعه دائمًا في قالب الآخر، وأعلن تمرده على النوعية التي كانت تلاحقه. قال ذات مرة لمجلة لايف: “سأقاتل دائمًا ضد أن أُحصر في دور العِرقي فقط.

 

هذه الفلسفة تجلت في اختياراته، إذ لم يخش تقديم شخصيات مكروهة أو معقدة نفسيًا، بل كان يغوص فيها ليقدم للمتفرج أعمق ما فيها من ألم وجمال.

 

الفنان أنطوني كوين وإحدى منحوتاته
الفنان أنطوني كوين وإحدى منحوتاته

فنان من نوع آخر

 

رغم شهرته كممثل، كان قلب كوين مع الفنون التشكيلية. بدأ النحت والرسم في سن مبكرة، ولكن بعد السبعين، وجد فيها ملاذًا. أقام معارض فنية في باريس وفيينا وسيول، وحقق نجاحًا لافتًا. كان يرى الجمال في الحجارة والخردة، يحولها إلى قطع فنية تعبّر عن الحياة والموت والانتصار.

 

النهاية: مشهد أخير بلا تصنع

 

في عام 2001، أنهى أنطوني كوين تصوير فيلمه الأخير Avenging Angelo مع سيلفستر ستالون، قبل أن يتوفى في يونيو من العام ذاته نتيجة فشل تنفسي ناجم عن إصابته بسرطان الحنجرة. غادر هذا العالم عن 86 عامًا، بعد أن نحت بصمته في كل مجال طرقه.

 

ترك وراءه 12 ابنًا وابنة، وأعمالًا فنية وسينمائية لا تزال حية، وأسطورة ملهمة لرجل بدأ حياته كمهاجر فقير، وانتهى كواحد من رموز السينما العالمية.

 

أنطوني كوين لم يكن مجرد ممثل، بل كان نحاتًا في أرواح الشخصيات، يجد في كل منها قطعة فنية تستحق أن تُروى.